MEI

تغيير قواعد اللعبة: إصلاح النظام الحزبي في العراق

يونيو 16, 2021


مشاركة

Read in English

هذه الورقة البحثية هي الثانية ضمن سلسلة من أوراق للكاتب حول "إصلاح شامل للنظام في العراق" تنشر تباعاً في معهد الشرق الاوسط بواشنطن.

 

الخلاصة: تتنافس الاحزاب عادةً للوصول الى مواقع ادارة الدولة. ولذلك تعرض برامج مختلفة أمام خيارات المواطن للانتماء والدعم وللتصويت عند الانتخابات. وبظل غياب احزاب مركزية تشمل مساحة البلد بمختلف تنوعات مكوناته العرقية والدينية والطائفية, وبوجود احزاب كثيرة جداً, تلجأ الاحزاب لتكتلات قبل الانتخابات. ورغم ذلك فلم تشهد الانتخابات السابقة في العراق (ومن غير المتوقع ان تنتج أي انتخابات قادمة وفقاً للقوانين السائدة) حصول أي حزب او تكتل لوحده على الأغلبية الكافية لتشكيل حكومة في البرلمان. ولذلك تقوم هذه التكتلات لتشكيل تحالفات متنوعة لغرض تشكيل الحكومة. لا تقوم هذه التحالفات بالضرورة على تقارب البرامج الحزبية او الكتلوية التي عرضت على الناخبين. بل تتميز هذه التحالفات بالهشاشة وعدم وجود هوية برامج جامعة. مما يؤدي لتشكيل حكومات ضعيفة وغير منسجمة. ولا تتمكن الحكومات في كثير من الاحيان من تنفيذ برامجها المعلنة او شعاراتها بسبب تقاطع المصالح للكتل والاحزاب الكثيرة التي تتشكل منها.

تقترح الورقة اصلاح ركيزة النظام السياسي وهي الاحزاب السياسية, وبشكل يغير قواعد اللعبة ليحقق هدف أساس وهو تشكيل حكومة كفوءة وفاعلة ومسنجمة وقادرة على تحقيق برامج اصلاحية جوهرية. بإجراء تعديل طفيف على قانون الأحزاب رقم 39 لسنة 2015, واشتراط وجود الاحزاب بكل المحافظات , وبتنفيذ المواد المتعلقة بشفافية تمويل الاحزاب واعلان تقرير الحزب الدوري المطلوب رفعه لديوان الرقابة المالية, و بمنع الاحزاب التي تمتلك اجنحة مسلحة, و بضمان وجود انتخابات دورية شفافة داخل الاحزاب التي تكون مفتوحة الانتماء لكل المواطنين المؤمنين بأهدافها بدون شروط سيتوفر نظام حزبي مختلف يقود لنظام سياسي جديد.

الحل المقترح يوفر فرصة لحسم الاشكالات الاساسية داخل كل حزب قبل الانتخابات, ليصوت المواطن على برامج واضحة ومرشحين محددين للمواقع التنفيذية. يتم حسم القضايا الكبرى والمهمة بالانتخابات المباشرة بدل اللجوء لمساومات غير شفافة, وتأثيرات من جهات خارجية او داخلية غير منتخبة. بدون اصلاح النظام الحزبي, سيؤول النظام السياسي الواهن الى استمرار الضعف والتآكل ثم الانهيار.

 

جذور النظام السياسي الحالي – عرض تأريخي

في خطابه أمام الأمة ذكر الرئيس الامريكي الاسبق جورج دبليو بوش عشية دخول القوات الامريكية للعراق في آذار 2003 أن من اسباب الحرب التي أنتهت بغزو العراق هو " تحرير شعبه" من "فضاعات صدام" ومساعدة العراقيين لتحقيق دولة موحدة ومستقرة وحرة".(1) كان كثيرون يأملون أن يصبح العراق ديموقراطية واعدة تكون بمثابة نموذج للمنطقة, غير أن ذلك لم يتحقق لأسباب متنوعة. إن بناء ديموقراطية يتطلب وجود أحزاب تؤمن بالديموقراطية, و لديها القدرة على بناء مؤسسات ترعى و تديم الديموقراطية. الواقع كان أقرب لمحاولة إنشاء ديموقراطية بلا ديموقراطيين (2).

ولكن بعد اقل من عقدين من تغيير النظام السياسي, تزدحم الساحة السياسية في العراق الان بأعداد كبيرة من الأحزاب والتشكيلات السياسية. ذكرت المفوضية العليا للانتخابات في أحدث تقاريرها أن هناك 267 حزباً مسجلاً بشكل رسمي وهناك 49 حزب آخر في طريقه لإكمال عملية تسجيله في دوائر المفوضية. (3) ومع ذلك فإن عدد الاحزاب المهمة والفاعلة منها لا يتجاوز دزينة أو إثنان على الاكثر.

في شهر ديسمبر من عام 2002, قبل أشهر من تغيير النظام, نظمت المعارضة العراقية مؤتمراً في لندن. ضم حوالي 320 شخصية معارضة تمثل أكثر من 20 حزباً معارضاً بالاضافة لنشطاء مستقلين (4). فيما قاطع المؤتمر احزاب اخرى, منها احزاب رئيسية كبيرة اشتهرت بمعارضتها للنظام السابق مثل حزب الدعوة الاسلامية والحزب الشيوعي والجناح السوري من حزب البعث واحزاب اسلامية وقومية صغيرة اخرى.

بالاضافة لحزب البعث الذي احتكر السلطة في العراق منذ انقلاب 1968 لغاية 2003 فقد كانت هناك احزاب قليلة تمثل معارضة متنوعة للنظام الدكتاتوري وعلى رأسها يقف حزب الدعوة ( وهو حزب اسلامي شيعي تأسس في العراق نهاية الخمسينات), الحزب الشيوعي العراقي ( تأسس عام 1934) و الحزبان الكرديان الرئيسيان ( الديموقراطي الكردستاني تأسس في 1946 و الاتحاد الوطني الكردستاني تأسس في 1975 ) والحزب الاسلامي العراقي ( الفرع العراقي لحركة الاخوان المسلمين تأسس في 1960), والمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق (تأسس في البداية في طهران عام1982). تم تأسيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية كمنظمة جامعة للاحزاب الاسلامية الشيعية بشكل رئيسي, وسرعان ما تحول الى منافس للاحزاب التي تأسس منها (بما في ذلك في المقام الاول, حزب الدعوة واحزاب اخرى مثل منظمة العمل الاسلامي, وحركة المجاهدين, الحركة الاسلامية الكردية, جند الامام, واحزاب اسلامية اخرى), وبعد سنوات أصبح المجلس واحدة من اكبرها وأهم هذه الاحزاب.

بعد فترة وجيزة من تغيير النظام في بغداد عام 2003 ، بدأت عشرات المنظمات والأحزاب السياسية والصحف والقنوات الإعلامية بالظهور على الملأ مما جعل الفضاء السياسي العراقي مزدحمًا للغاية تم إنشاء العديد من الأحزاب الجديدة بالتوازي مع أحزاب المعارضة العراقية السابقة ، بعضها لم يكن أكثر من فروع أو فصائل منشقة عن الأحزاب القديمة. ولكن القسم الآخر والاوسع هي تنظيمات واحزاب جديدة لم يكن قياداتها في المنفى خلال فترة النظام السابق. ومن أهم هذه التنظيمات السياسية برز إسم التيار الصدري الذي خرج من عبائته تنظيمات سياسية أخرى وعسكرية مثل عصائب أهل الحق وحركة النجباء وغيرهما. كما إنبثقت أحزاب كردية وتركمانية و عربية عديدة بما في ذلك الاحزاب التي تم تصنيفها على أنها ليبرالية, أو ديموقراطية, أو وطنية. فيما ركزت أحزاب اخرى على القضايا الاثنية, الدينية, أوالمحلية.

وإذا كانت المهمة الرئيسية لمعظم احزاب المعارضة منصبة على الاطاحة بالنظام السابق, فإن ما سعوا لإستبداله يختلف بإختلاف أيديلولجياتهم. كانت الاحزاب الاسلامية الشيعية تطمح لدولة اسلامية مماثلة ,او تختلف قليلاً, عن النظام الاسلامي في ايران (5). أما الاحزاب السنية فكانت أدبيات الاخوان المسلمين (جماعة اسلامية تأسست في مصر 1928) (6) و حزب التحرير (حزب سياسي اسلامي لا يعترف بالحدود الوطنية تأسس في القدس 1953) تدعو لإعادة دولة الخلافة الاسلامية (7). وفيما كان الحزب الشيوعي العراقي يدعو لدولة تحقق الاشتراكية وتؤسس مجتمعاً شيوعياً, كانت الاحزاب القومية العربية في العراق (بما في ذلك الحركة الوطنية الاشتراكية الديمقراطية ، والحركة القومية العربية ، والحركة الاشتراكية ، والحزب الوطني الناصري) لا تبتعد كثيراً عن شعارات حزب البعث بتوحيد جميع الدول العربية. أما الاحزاب القومية الكردية (مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير) فعلى الرغم من أنها تحدثت عن الحكم الذاتي ضمن اطار فيدرالي عراقي, إلا انها في نهاية المطاف تطمح للاستقلال واقامة دولة كردية منفصلة.

ورغم التفاوت الكبيير في شكل ومتبنيات النظام السياسي الذي هدفت هذه الاحزاب لانشاءها, إلا انها اتفقت بالاجماع تقريباً على أن شكل نظام الحكم يجب أن يكون " جمهورياً تمثيلياً (برلمانياً) ديموقراطياً" كما اشارت له المادة (1) في الدستور الذي كتبه ممثلي هذه الاحزاب وتمت الموافقة عليه بإستفتاء عام في كانون الاول 2005. تحظر المادة الثانية من الدستور سن أي قانون يتعارض مع مبادئ الديموقراطية. ودعى في ديباجته ايضاً الى "تعزيز الوحدة الوطنية, وانتهاج سبيل التداول السلمي للسلطة, وتبني اسلوب التوزيع العادل للثروة, ومنح تكافؤ الفرص للجميع". وهذا ما أكدته جميع الاحزاب التي اشتركت في العملية السياسية من خلال برامجها الانتخابية او الحكومية. وهذه الاهداف المشتركة الكبيرة لا تختلف كثيراً عن الاهداف المعلنة كسبب لتغيير النظام السابق وإنشاء نظام سياسي جديد.

 

كيف أدارت الأحزاب التحولات الكبرى؟

يمكن تقييم أداء الاحزاب السياسية العراقية على مدى العقدين الماضيين في ادارة ثلاثة تحولات اساسية. الاول هو التحول من نظام سياسي استبدادي الى نظام ديموقراطي تعددي, من خلال التعاون بين هذه الاحزاب لتشكيل تحالفات إنتخابية وبرلمانية وسياسية مستقرة تقود لتشكيل حكومات فعالة. والثاني من خلال مشاركة هذه الاحزاب في إدارة تحول الدولة من نظام مركزي الى نظام اتحادي (فيدرالي), ودعم برامج حكومية ناجحة على صعيد توفير الامن والخدمات الاساسية, والانتقال السلس من اقتصاد موجّه الى اقتصاد حر. والثالث متعلق ببقدرة الاحزاب على إدارة التحول الاجتماعي من مجتمع مقهور الى مجتمع حر, منتج, ومتصالح مع نفسه, وقادر على إستيعاب الشباب كقطاع مهم من المجتمع ضمن نشاطاته وتنظيماته. على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها الحكومات المختلفة منذ عام 2003 ، إلا أن الأطراف التي شاركت في العملية السياسية (بدرجات متفاوتة) لم تنجح في إدارة هذه التحولات الثلاثة.و لفهم وتقييم اداء الاحزاب السياسية العراقية في ادارة هذه التحولات الثلاثة, نحتاج الاجابة على الاسئلة الخمسة التالية:

السؤال الاول: كيف تشكلت الحكومات السبعة؟

رغم أن الدستور قد أشار في المادة 76 الى أن رئيس الجمهورية يكلف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء, الا ان مراجعة بسيطة للحكومات السبعة التي تشكلت في العراق لم تتشكل بشكل انسيابي ومباشر وفقاً لنتائج الانتخابات. تشكلت الحكومة المؤقتة برئاسة اياد علاوي في حزيران 2004 بعد ان اختير من قبل مجلس الحكم العراقي بموافقة من الحاكم الامريكي بول بريمر و مبعوث الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي الذي تشاور مع المرجعية الشيعية في النجف واطراف سياسية فاعلة اخرى. وفي آيار 2005 تم اختيار ابراهيم الجعفري رئيساً للحكومة الانتقالية بعد التصويت عليه من 128 عضواً من الاعضاء ال 140 في لائحة الائتلاف العراقي الموحد. تم اختيار نوري المالكي ليكون رئيساً للوزراء في آيار 2006 بعد ضغوط امريكية و رفض من احزاب كردية وسنية وشيعية اخرى لترشيح الجعفري. وقد أختير المالكي مجدداً لرئاسة الوزراء بعد انتخابات 2010 رغم أن تحالفه ( دولة القانون) الذي حصل على 89 مقعداً جاء ثانياً بعد تحالف القائمة العراقية الذي ترأسه رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي والفائز ب (91 مقعداً). وفسرت المحكمة الاتحادية معنى الكتلة النيابية الاكبر بحيث سمح باندماج الكتل الفائزة بعد الانتخابات. في سبتمبر 2014 ، تم اختيار حيدر العبادي لرئاسة الحكومة بعد أن رفضت المرجعية الدينية في النجف والقوى السياسية والأحزاب الخارجية ترشيح المالكي للمنصب رغم فوز كتلته بالمركز الأول في انتخابات أبريل. في سبتمبر 2018, تم أختيار عادل عبد المهدي لتشكيل الحكومة بعد اتفاق سياسي بين الكتلتين الكبيرتين الفائزتين ( سائرون 54 مقعد وفتح 47 مقعداً ). وحين استقالت حكومة عبد المهدي اثر تصاعد الاحتجاجات الشعبية في نهاية 2019, عادت العملية السياسية لفوضى الاختيارات, بوجود تنازع وجدل في فهم التفسيرات الدستورية المتعلقة بترشيح رئيس الوزراء. رشح محمد علاوي في شباط 2020 لتشكيل الحكومة واعتذر عن القيام بذلك بعد اسابيع. ثم تم تكليف عدنان الزرفي في 16 اذار 2020 بعد أن وجه رئيس الجمهورية برسالة للكتل السياسية التي فشلت بالاتفاق على مرشح ضمن المهلة الدستورية. ولم يحالف الزرفي حظاً أكثر من سلفه, ليعتذر هو الاخر في نيسان 2020. في نهاية المطاف, وسط ضغوطات سياسية كبيرة, تم اختيار مصطفى الكاظمي في 7 ايار 2020 ليكون سابع رئيس وزراء في العراق بعد 2003.

وبمراجعة لكيفية تشكيل الحكومات العراقية لنظام مابعد 2003 يتضح جلياً انها لم تتشكل ,وفقاً للنص الدستوري, كنتاج مباشر وسلس لنتائج الانتخابات. بدلاً من ذلك ، كان تشكيل جميع الحكومات نتيجة توافقات بين الزعماء السياسيين والدينيين المؤثرين (ولكن غير المنتخبين), بالإضافة إلى التدخلات الخارجية الرئيسية (ولاسيما الإثنان اللذان لهما نفوذ على السياسة العراقية الداخلية: الولايات المتحدة وإيران). ورغم أن الدستور قد أشار الى أن التداول السلمي للسلطة يكون عبر الوسائل الديموقراطية ( مادة 6 ), فإن معظم الحكومات التي تشكلت بعد 2003 أشابت طرق تشكيلها إشكالات دستورية. وهي متوقعة خلال مرحلة انتقالية صعبة لم يستقر خلالها الوضع الامني والسياسي كثيراً. ولكن استمرار عدم اليقين وغياب الوضوح في تشكيل الحكومات واختيار رؤسائها لن يساعد على استقرار النظام السياسي.

السؤال الثاني: هل كانت الحكومات مستقرة؟ وهل بقيت التحالفات الحزبية صلبة خلال فترة الحكومة؟ هل وقفت التحالفات التي جائت بالحكومة معها ام حاولت اسقاطها؟

شهدت معظم الحكومات الخمسة التي تولت الحكم بعد اقرار الدستور اهتزازات عكست ضعف التحالفات التي شكلتها في مجلس النواب. في نيسان 2007 استقال ستة وزراء تابعين للتيار الصدري من حكومة المالكي الاولى مما عكس وجود انقسامات داخل الائتلاف العراقي الموحد الذي شكل الحكومة. في آب من عام 2007 اعلنت القائمة العراقية سحب وزراءها الخمسة من حكومة المالكي, بعد انسحاب وزاراء كتلة التوافق (خمسة حقائب وزارية) و الكتلة الصدرية ( 6 حقائب). (8)

من جانب أخر إنسحب العديد من الوزراء لاسباب مختلفة. انسحبت وزيرة الدولة لشؤون المرأة في شباط 2009 احتجاجاً على قلة التمويل والصلاحيات. واضطر وزير التجارة على الاستقالة في ايار من عام 2009 بعد استجوابه في مجلس النواب بشبهات تتعلق بالفساد. واستقال وزير الكهرباء في حزيران 2010 بعد احتجاجات حول تردي الكهرباء في البصرة. وفيما استقال وزير الاتصالات في حكومة المالكي الثانية في اب 2012 احتجاجاً للتدخلات في الصلاحيات. جائت استقالة وزير المالية في اذار 2013 خلال موجة إحتجاجات في الرمادي ومدن اخرى في غرب العراق, تلتها استقالات وزراء الصناعة, الزراعة, والتربية في نيسان من العام نفسه. وشهدت الفترة نفسها منح وزيري الخارجية والتجارة (كلاهما من الكتلة الكردية) اجازة اجبارية بسبب تغيبهما عن جلسات الحكومة وعن وزارتيهما.

وفي حكومة العبادي تم إقالة وزيري المالية والدفاع بعد استجوابهما بمجلس النواب في عام 2016. واستقال وزراء النفط وزير التعليم العالي والداخلية, بينما اقيل وزراء النقل والاعمار والاسكان والموارد المالية. كما تم اقالة مجموعة من الوزاراء في عام 2016 بعد دمج وزاراتهم او الغاءها ( حقوق المرأة, السياحة والاثار, البيئة, البلديات, حقوق الانسان, الدولة لشؤون المحافظات) بالاضافة لعزل نواب رئيس الوزراء الثلاثة بعد الغاء مناصبهم. وكان احد نواب رئيس الوزراء قد قدم استقالته عقب فتح تحقيق قضائي في اتهامات فساد منسوب له في آب 2015. كما سحب العبادي قبل نهاية حكومته في عام 2018 يد وزير الكهرباء لاسباب تتعلق بالتحقيق في فساد محتمل. بعد ايام قليلة من نيلها ثقة مجلس النواب استقالت وزيرة التربية في حكومة عبد المهدي في نهاية ديسمبر 2018 لاتهمات بارتباط لاحد افراد عائلتها بتنظيم داعش الارهابي. إستقال وزير الصحة في نفس الحكومة في شهر سبتمبر 2019 بسبب الضغط سياسي والإبتزاز. أخيراً استقال وزير الصحة في حكومة الكاظمي في ايار من عام 2021 بعد حادث حريق في مستشفى اودى بحياة العشرات من الضحايا. هناك قائمة لإستجواب مجموعة من الوزراء وربما اقالتهم تنتظر حالياً الاجراءات في مجلس النواب, رغم أن عمر الحكومة الحالية المفترض ليس طويلاً بعد تحديد موعد للانتخابات العاملة في اوكتوبر 2021. بالرغم من أن معظم الاستقالات الفردية لم تؤثر على استقرار الحكومات بشكل جدي, فإنه يمكن الاشارة لمجموعة من المحاولات الجدية لاسقاط الحكومات ومنها:

- إجتماع القادة الخمسة الذي عقد في أربيل في آيار 2012 الذي ضم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ورئيس القائمة العراقية اياد علاوي بالاضافة الى رئيس حكومة اقليم كردستان مسعود البرزاني. وإختتم الاجتماع بتوجيه رسالة للتحالف الوطني ( الذي شكل الحكومة) بتهديد واضح باسقاط حكومة المالكي الثانية. وقاطع وزراء التيار الصدري على اثره مشاركتهم في ا لحكومة.

- يمكن إعتبار الاعتصام البرلماني الذي حدث في نيسان 2016 وضم حوالي 170 نائباً, للمطالبة باستقالة الرئاسات الثلاثة, تهديداً جدياً لحكومة العبادي وانعكاساً للفوضى السياسية لم تستطيع التحالفات البرلمانية والحزبية ضبطها. وشكلت سابقة للتعاون بين نواب من مختلف الكتل بعيداً عن التوجهات المعلنة لقياداتهم.

- بعد حوالي عام من تشكيل حكومة عادل عبد المهدي تفكك التحالف الذي شكلها, إثر الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في اوكتوبر 2019 وخلفت مئات من الضحايا والجرحى وانتهت بالإطاحة بحكومة عبد المهدي بعد شهرين, اثر تلقيه لاشارات من المرجعية الدينية من النجف التي دعت فيها لانتخابات مبكرة.

- في حزيران من عام 2020, وبعد اقل شهر من تشكيل حكومة الكاظمي كشف رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي عن "مؤامرة" كانت تستهدف الاطاحة بحكومة الكاظمي (9) . لم ينعكس ذلك في مواقف الكتل السياسية في مجلس النواب, رغم تلويحات بعض النواب من وقت لآخر بأنهم قد يحاولون إسقاط الحكومة.

و يمكن الاستنتاج بوضوح أن هشاشة التحالفات المشكلة للحكومات الخمسة الأخيرة, إنعكست على مدى استقرار هذه الحكومات وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة.

 

السؤال الثالث هل هناك فوارق رئيسية بين البرامج الحزبية الانتخابية والحكومية؟ ما مواقف الاحزاب المتوافقة لتشكيل الحكومات من القضايا الخلافية الاساسية ( توزيع الثروة, العلاقة بين المركز والاقليم, العلاقات الخارجية, الملفات الاقتصادية والخدمية) قبل وبعد الانتخابات ؟

رغم الاختلافات الكبيرة ظاهرياً بين الاحزاب المتنافسة في مواقفها من القضايا, خاصة أثناء الحملات الانتخابية, يبدو أن هذه الخلافات تختفي مؤقتاً خلال فترة تشكيل الحكومات و توزيع المقاعد الوزارية و المناصب التنفيذية العليا. ثم تعود هذه الخلافات الى الظهور بشكل مفاجئ, خاصة عندما تتعلق بتوزيع مغانم الريع والسلطة والمنافسة عليها. ليس من السهولة على الباحث ايجاد فوارق كبيرة بين حزب الدعوة الاسلامية (وجميع الجماعات المنشقة عنه) وبين المجلس الاسلامي الأعلى (للثورة الاسلامية سابقاً) وبين التيار الصدري ( الاحرار , سائرون, الكتلة الصدرية) و تيار الحكمة (عراقيون), وحزب الفضيلة و باقي الاحزاب الاسلامية الشيعية. في القضايا المتعلقة بتوزيع الثروة او العلاقة بين المركز والاقاليم, لم تختلف الأحزاب اليسارية والقومية عن الأحزاب الإسلامية عندما يتعلق الأمر باختيار شركائها في التحالف ، بغض النظر عن الاختلافات الكبيرة في أجنداتهم. في انتخابات 2018 ، لجأ الحزب الشيوعي إلى التحالف مع حزب ديني له جناح مسلح لأغراض انتخابية ، رغم التناقض الكبير في وسائله وأساليبه. في الساحة الكردية ، جرت الأمور بطريقة مماثلة ، حيث إجتماع الأحزاب وانقسامها ليس على أساس أهداف مشتركة ، ولكن لتأمين التمثيل أثناء عملية تشكيل الحكومة. في المحافظات الغربية كما في أماكن أخرى ، تتنافس الأحزاب والتجمعات الانتخابية تحت شعارات محلية ووطنية ، لكن هذه الشعارات تختفي عند تشكيل الحكومات ، وتتحول إلى منافسة شخصية أو عائلية على المناصب وحصص المكون الطائفي في الحكومة ومؤسسات الدولة. مجمل الاحزاب السياسية النشطة, وعلى الرغم من شعاراتها الانتخابية وبرامجها الحكومية المقترحة, فإنها بنهاية المطاف تتوافق كأحزاب بعناوينها الطائفية والعرقية كاحزاب شيعية وسنية وكردية. يتم تشكيل الحكومات على أساس عدد ونوع الوزارات الممنوحة لكل حزب. لكن بمجرد تشكيل الحكومة ، تبدأ الخلافات حول جدول الأعمال في الظهور ، وبعد بضعة أسابيع أو أشهر تتحول معظم الأحزاب في الحكومة عادة إلى أحزاب معارضة في البرلمان.

في كل عام ، توافق هذه الأحزاب على إقرار قانون الموازنة بعد مساومة لا علاقة لها ببرامج الحكومة أو الأولويات الاقتصادية أو الرؤية النظرية للأحزاب لتوزيع الثروة. بدلاً من ذلك ، ينصب التركيز على الحصول على الفوائد ، إما شخصيًا أو لدوائرهم الداخلية أو شبكات المحسوبية أو الدوائر الانتخابية. وتتكرر نفس الادعاءات لتغيير القانون وتشويهه - لدرجة أن الحكومة في بعض الأحيان تتحدى القانون في المحكمة الاتحادية بعد مصادقة مجلس النواب عليه. وفي أكثر من حالة ، فشل مجلس النواب في الموافقة على الموازنة خلال عام كامل (كما في 2014 و 2020).

عند إجراء مراجعة تفصيلية لكيفية تشكيل التحالفات الحزبية لجميع حكومات ما بعد 2003 وكيفية تعاونها, نجد انها تركز عادةً على المصالح الشخصية او الفئوية وليس على البرامج المعلنة. ولذلك لا غرابة أن تتقاعس هذه الأحزاب عن تنفيذ برامجها الحكومية ووعودها الانتخابية.

السؤال الرابع : هل نجحت الاحزاب المتحالفة في التعاون لمواجهة التحديات الرئيسية التي تواجه النظام السياسي الجديد وتوحيد مواقفها من خلال دعم الحكومة في تشريع القوانين وسن اللوائح والأنظمة؟

ورث النظام السياسي الحالي منظومة قانونية وتشريعية كبيرة ومعقدة من النظام السابق, بقي قسم كبير منها ساري المفعول الى الان, رغم تعارض بعض مواده مع مبادئ الدستور. أشار احد الباحثين القانونين (10) لوجود اكثر من 25 الف قانون وقرار وأمر تنفيذي له قوة القانون صدر قبل عام 2003. وفيما اشار الدستور في حوالي 72 موضعاً على تنظيم مواده بقانون. لم يشرع منها مجلس النواب خلال دوراته السابقة والحالية الا 49 قانون. شرع مجلس النواب ما يقرب من 40 قانون بمعدل سنوي خلال الدورات السابقة. ومنذ 25 /9/2018 ولغاية الفصل التشريعي الحالي, إنخفض معدل تشريع القوانين الى ما لا يزيد عن 16 قانون سنوياً, مما يعكس حجم صعوبة تحقيق توافق سياسي لانجاز التشريعات التي تحتاجها مؤسسات الدولة المختلفة. نظراً لوجود أحزاب كثيرة في مجلس النواب, تخضع عملية اصدار قانون لسلسلة معقدة من المساومات والتعطيل للمؤسسة التشريعة لتقترب من الشلل أحياناً. يحاول كل حزب تشكيل التشريعات ، بحيث يمكن أن تتغير القوانين كثيرًا عن المسودة الأولية المقدمة بحيث ينتهي الأمر بالحكومة في كثير من الأحيان بالطعن عليها في المحكمة الفيدرالية ، فقط لإعادة صياغة القوانين وبدء نفس دورة التأخير من جديد. كثير من المشاكل الكبيرة في العراق, نشأت أو تفاقمت بسبب غياب التشريعات أو وجود غموض أو تناقض في تفسيرها. جلسة بعد جلسة ، تستمر مشروعات القوانين التي يمكن أن تعالج قضايا كبرى مثل توزيع الثروة وتنظيم العلاقة بين المركز والأقاليم في الجلوس في أدراج البرلمان. بدلاً من التطبيق ، فإن القوانين التي يمكن أن تغير مسارات توزيع الثروة و تنظم العلاقة بين المركز والأقليم والمحافظات مثل (قانون النفط والغاز), وقانون (مجلس الإتحاد), وقانون (المحكمة الاتحادية), وقانون (الضمان الإجتماعي) وعشرات القوانين المهمة لإدارة الدولة وحسم شكل مؤسساتها و طبيعة مساراتها الاقتصادية, كلها ببساطة يتجمع عليها الغبار.

قادت طبيعة التوزيع المحاصصي للوزرات خلال جميع الادارات التي تولت الحكم بعد 2003 الى ضعف هيكلي أثر على طريقة أصدار الأنظمة والقرارات التنفيذية من مجلس الوزراء. وفقاً للدستور فإن مجلس الوزراء يمارس صلاحية "تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة, والخطط العامة, والإشراف على عمل الوزرات والجهات غير المرتبطة بوزارة. ويقترح مشروعات القوانين, بالاضافة لإصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات لتنفيذ القوانين" (مادة 80). عادة ما يتزامن توزيع الوزارات على الأحزاب بعد الانتخابات, لغرض تشكيل الحكومات, وليس وفقاً لبرامجها وتفضيلاتها. ولغرض أكمال نصاب تشكيل الحكومة يضطر المكلف لرئاسة الوزراء, في احيان كثيرة, للقبول بخيارات هذه الاحزاب لإشغال الحقائب الوزارية, بغض النظر عن توافقهم مع برنامجه وخططه, وبغض النظر عن مقدار كفاءتهم لشغل الحقيبة الوزارية. شكا معظم رؤساء الوزراء لحكومات ما بعد 2003 في مناسبات كثيرة من أداء وسلوك بعض وزراءهم. كانت الوزارات تمثل إقطاعات شبه مستقلة للحزب الذي رشح الوزير حتى لوكان شخصية مستقلة. يعزى ضعف الحكومات في كثير من الأحيان بسبب تشكيلها من ممثلي لأحزاب متقاطعة سياسياً وبرلمانياً, بدل كونهم اعضاء منسجمين في كابينة حكومية واحدة. التناشز الحكومي وعدم التطابق لم يؤدي الى اضعاف قدرة الحكومات على اتخاذ قرارات قوية فحسب, بل أثر على طريقة تنفيذها أيضاً. من خلال دراسة داخلية أجراها مكتب رئيس الوزراء قبل سنوات, أظهرت ألغاء 68 قراراً من القرارات التي أصدرها مجلس الوزراء في فترة اقل من عامين من اصدارها, بسبب ضعف دراسة موضوع القرار, أو بسبب الضغوطات السياسية المنعكسة على المجلس.

أدى تداخل سلطة اتخاذ القرار وتعارض السلطة بين الوزارات أو الأجهزة الحكومية المختلفة إلى ظهور أزمات في كثير من الأحيان، ومن الأمثلة على ذلك: التقاطعات المتكررة بين وزارة المالية والوزارات الأخرى, وبين وزارتي النفط والكهرباء, وبين الوزارات والجهات الأمنية المختلفة التي قد تصل لصدامات او تقترب من مواجهات في بعض الاحيان. يتولى مجلس الوزراء, وفقاً لمهامه الدستورية, إعداد مشروع الموازنة العامة والحسابات الختامية وخطط التنمية. تحاول وزارة المالية عادة إقناع (أو فرض) الخطوط العامة للإنفاق المخطط للعام القادم قبل نهاية شهر اكتوبر من كل عام, ليتم التصويت عليه في مجلس الوزراء.ثم يتم ارساله لمجلس النواب لإقراره قبل نهاية العام. منذ سنوات عديدة, وبسبب ضعف التوافقات الحزبية وتشتت المشهد السياسي, تأخرت عملية اقرار الموازنة لشهور عديدة, او تغيرت مسوداتها (المقترحة من الحكومة) بشكل كبير داخل مجلس النواب, بطريقة مخالفة لتوجهات الانفاق الحكومي والتزاماتها, أو قد يتعذر اصدارها لتلك السنة, مما يربك الاوضاع الاقتصادية والمالية ويؤثر على الاستقرار الأمني والإجتماعي.

المنظومات الحزبية لم تنجح في ترسيخ صيغ مؤسساتية للتعاون بين الائتلافات على المستوى الحكومي أو البرلماني.

السؤال الخامس: هل نجحت منظومات الاحزاب باستيعاب فئات المجتمع المختلفة؟

تتولى الاحزاب عادةً مهمة تمثيل المجتمع سياسياً في مؤسسات الدولة المختلفة. ويمكن قياس مدى نجاح الأحزاب ليس فقط بنجاحها في حصد ثقة المجتمع خلال الانتخابات, ولكن ايضاً من خلال قدرتها على استيعاب شرائح متنوعة من المجتمع بشكل مباشر من خلال انتماءهم للحزب, أومشاركتهم بنشاطاته وفعالياته, أو من خلال انعكاس أولويات المواطنين على برامج الحزب السياسية والانتخابية والحكومية.

شهدت الانتخابات النيابية في العراق مشاركة كبيرة نسبياً بعد عام 2003 رغم الظروف الأمنية الصعبة في حينها حيث كانت نسبة المشاركين 79.6% في انتخابات ديسمبر عام 2005. و تناقصت النسبة الى 62.4% في انتخابات أذار عام 2010, ثم إستمر التناقص ل 60% في عام 2014, ثم ليصل الى نسبة 44% في في انتخابات عام 2018. وتشير البيانات الأخيرة الى تخوف من عزوف أكبر في الانتخابات المزمع اقامتها في اوكتوبر القادم, حيث دعا العديد من الأحزاب والنشطاء إلى المقاطعة. (11) وبتحليل لنسبة المشاركين والنتائج في الانتخابات الأخيرة, نجد أن نسبة المصوتين لجميع المرشحين الفائزين (معظمهم مرشحي الأحزاب) بلغ 34.67% من مجموع الاصوات. فيما تبعثرت حوالي ثلثا الاصوات على مرشحين غير فائزين (تشمل معظم المرشحين غير الحزبيين).

ورغم أن بعض الأحزاب والتيارات السياسية تلجأ لوسائل التحشيد الجماهيري لمناصريها في مناسبات عديدة من خلال التظاهر والمهرجانات فإن الأعداد التي تحشدها معظم هذه الأحزاب لا تعكس إزدياداً لجماهيرها مع مرور السنين مقابل الحشود التي شهدتها التظاهرات الاحتجاجية المناوئة للاحزاب والمعارضة للحكومات.

تشير المادة 11 من قانون الاحزاب لضرورة تقديم اسماء 2000 عضواً على الاقل للسماح بتسجيله. ولكن المواقع الرسمية على الانترنيت للاحزاب او الدوائر الحكومية المعنية او مجلس النواب لا تشير عادة لأعداد الأعضاء المسجلين لأي حزب. وليس من السهل تدقيق الأعداد الفعلية للمنتمين لكل حزب.

رغم أن المادة 6 من قانون الاحزاب السياسية النافذ, أشارت لإعتماد الحزب السياسي للاليات الديموقراطية لاختيار قياداته الحزبية, فإن معظم الاحزاب الرئيسية لم تشهد تغييرات حقيقية في القمة. كانت مؤتمرات الاحزاب مناسبات إحتفالية لأغراض إعلامية و دعائية, وليست مؤتمرات حقيقية تهدف للمسائلة والتقييم والتقويم, وإدماج أجيال جديدة من المجتمع في صفوفها.

مع رفع القيود السائدة في ظل النظام السابق على السفر والتنظيم والاطلاع على الافكار والتجارب العالمية, شهد العراق حراكاً مجتمعياً عميقاً أثار تساؤلات تتعلق بمنظومات قيمية اعتاد المجتمع على النظر لها كثوابت. ادى عجز النظام السياسي على قيادة او ادارة تحول المجتمع العراقي من مجتمع مكبوت ومقموع الى مجتمع منفتح او حر الى تناشز و تناقضات, وانعكس ذلك على ثقة المجتمع في الطبقة السياسية الحاكمة.

واذا كانت احتجاجات تشرين قد رفعت شعارات تندد بالاحزاب الحاكمة فإن نتائج الاستبيانات حول ثقة المواطنين وفئات الشباب خصوصاً في الاحزاب قد اعطت مؤشرات واضحة على ضعف ثقة شرائح مجتمعية واسعة بالنظام الحزبي (12). وهذا ما يؤكد على تدني قدرة هذه الاحزاب على استيعاب المجتمع ( يمثل الشباب ما بين 15-29 عاماً حوالي 27.4 بالمئة منه).(13)

على الرغم من أن قانون الاحزاب يسمح للمواطن بعمر 25 سنة أن يشكل حزباً (مادة 9 /ثانياً), فإن قانون الانتخابات الاخير قد منع الشباب من الترشيح لمجلس النواب حتى سن 29 سنة (مادة 8 ) مما يقلل من فرص ادماج الشباب في النظام السياسي. وقد اشارت دراسة حديثة الى أن أغلبية المتظاهرين المحتجين قد تراوحت اعمارهم بين 15 -25 عاماً. (14)

بحسب دراسة اجراها المعهد الوطني الديموقراطي في أيار 2020 فإن الشباب يتواجدون في عضوية الاحزاب, غير أن "شاغلي المناصب القيادية الحاليين يحرصون على التمسك بمقاعدهم بكل قوة". وحتى في حالات التبديل المحتمل لشاغلي المواقع العليا وذات النفوذ, فإن هذه المناصب "تبقى دوماً تحت سيطرة نفس الرجال المسنين الذين يديرون الحزب منذ عقود". (15)

دستورياً توجد كوتا خاصة تحدد 25% من اعضاء مجلس النواب كحد الادنى لمشاركة النساء فيه.(مادة 49/ ثانياً). كما شجع قانون الأحزاب السياسية تمثيل المرأة داخل الهيئات الحزبية ( مادة 11/أولاً) وإن كان بدون حصة محددة. ولكن الواقع لا يظهر حضوراً بارزاً للمرأة في قيادة الاحزاب العراقية. من أصل 99 تحالفاً انتخابياً فاز في جميع الدورات الانتخابية الخمسة السابقة لم تتزعم المرأة اي تحالف رئيسي فائز. وأشارت دراسة المعهد الديموقراطي نفسها الى أن عدد النساء ارتفع في صفوف بعض الاحزاب من 10% ليصل الى حوالي نصف الاعضاء, غير أن حضورها في المواقع القيادية ظل منخفضاً او معدوماً في كثير من الاحزاب, التي لا تسعى لاستنساخ الكوتا البرلمانية للنساء ضمن هياكلها الحزبية.

رغم أن الكثير من الاحزاب العراقية توصف نفسها ب"الوطنية" إلا أن قدرتها على ادماج مختلف المكونات والشرائح المجتمعية ضعيفة للغاية. وهناك عدد قليل جداً من الأشخاص على مستوى القيادة يمثلون الاقليات الاثنية والدينية من خارج دائرة نفوذ الاحزاب الجغرافي.

ومن الاجابات على الاسئلة الخمسة السابقة, ورغم نجاحها النسبي في مواجهة كثير من التحديات الصعبة التي واجهت النظام السياسي, مثل محاربة الجماعات الارهابية, فإن المنظومة الحزبية العراقية فشلت في ادارة التحولات الثلاثة: التحول من نظام سياسي دكتاتوري الى نظام ديموقراطي تعددي, تحول الدولة من مركزية الى اتحادية ومن اقتصاد موجّه الى اقتصاد حر, والتحول من مجتمع مضطهد الى مجتمع منتج ومتصالح مع نفسه وقادر على ادماج مكوناته.

 

لماذا فشلت الأحزاب العراقية في تحقيق شعاراتها؟ تحليل

تنشأ الاحزاب عادة لأداء وظيفة تحتاجها الدول والمجتمعات المعاصرة. وتبرز أهمية النظام الحزبي بشكل أكبر في الانظمة السياسية الديموقراطية, حيث يتم نقل السلطة سلمياً. نجاح أي تجربة لأي حزب ما يعتمد على القدرة على تقديم مشروع استراتيجي لإدارة الدولة بشكل منفرد او بتحالف مع احزاب اخرى تشترك في جزء من مشروعه. ولكن ما جرى كان تخلياً للاحزاب الايديولجية التي عارضت النظام السابق عن أهدافها المثبتة في أدبياتها لعقود. تعايشت الاحزاب القديمة مع الواقع الجديد, بالتشارك مع الاحزاب الجديدة التي تشكلت بعد تغيير النظام متخلية عن أهدافها بدولة اسلامية ( للاحزاب الاسلامية), او دولة اشتراكية (للاحزاب اليسارية), أو توحيد "القطر العراقي" مع أمته العربية (للاحزاب القومية العربية). إنخرطت الاحزاب القومية الكردية وقادتها بقوة داخل النظام الجديد وأجلوا ( لكن لم يتخلوا عن) حلمهم باقامةدولة كردية مستقلة, و ركزوا على تعزيز سلطتهم على الاقليم شبه المستقل منذ مطلع التسعينيات. تورطت قيادات الاحزاب القديمة والجديدة في اتهامات متبادلة بالفساد واستغلال مؤسسات الدولة. بالنهاية تحولوا من احزاب سياسية الى اوليغارشية. (16)

بمراجعة لطبيعة الاحزاب السياسية العراقية الرئيسية سنجد السمات التالية:

على المستوى الفكري فإن الاطار المرجعي والفكري لكثير من الاحزاب العراقية و مساحة عملها واهدافها غير منحصرة بالعراق, وتظهر البعد غير العراقي في الشعارات والاهداف , بما في ذلك الإسلاميين الشيعة والسنة والقوميين العرب والأكراد والتركمان وغيرهم, بإعتبارها عابرة للحدود. المفارقة هنا أن هذه الاحزاب غير عابرة للطوائف والطبقات والمناطق داخل العراق الواحد نفسه.

و تتركز جغرافية انتشار الأحزاب العراقية و انتماءاتها وقياداتها في مناطق معينة من العراق. بمراجعة لتوزيع الاحزاب الفائرة في الانتخابات التي جرت بعد عام 2005 نجد أن الاحزاب الكردية الرئيسية تحتكر التمثيل الانتخابي للمحافظات الداخلة في اقليم كردستان. و تحتكر الاحزاب الشيعية التمثيل الانتخابي لمحافظات الوسط والجنوب. وتمثل الاحزاب السنية معظم التمثيل الانتخابي في المحافظات الغربية مع استثناءات قليلة. لم يسبق أن فاز أي حزب عراقي بممثلين في جميع المحافظات العراقية خلال أي من الدورات الانتخابية الخمسة التي جرت بعد اقرار الدستور. ولم يفز أكثر من 4 أحزاب او تحالفات بأصوات 10% من الناخبين في اي دورة انتخابية سابقة. في انتخابات 2005 ، كان هناك ثلاثة تحالفات فقط حصلت على أصوات تمثل 10٪ أو أكثر من الناخبين ، بينما في عام 2010 كان هناك أربعة ، في عام 2014 كان هناك واحد فقط ، وفي عام 2018 كان هناك ثلاثة. ومع ذلك ، حتى في هذه الائتلافات ، كانت الأحزاب الممثلة بشكل رئيسي في مناطقها الطائفية والعرقية مع استثناءات قليلة جدًا.

وتميزت الأحزاب العراقية بعدم وجود تغيير في قياداتها. معظم القادة الكبار للاحزاب والحركات السياسية الرئيسية لم يتغيروا نتيجة انتخابات داخلية الا في حالات نادرة. يمثل رأس كل حزب علامة بارزة يمكن ان يختصر فيها الحزب في كثير من الاحيان. وتسمت بعض الاحزاب بأسماء عوائل أو مناطق او طوائف أو أثنيات وبشكل غ

متعلق بالمنطقة

البريد الالكتروني
احصل على أحدث الإحاطات السياسية من معهد الشرق الأوسط وتنبيهات الفعاليات وكل ما هو جديد. ليصلك كل ذلك مباشرة من خلال البريد الإلكتروني الخاص بك