لماذا يراقب العالم يوم 20 يناير؟
يناير 19, 2023بول سالم
بول سالم
انشغل العالم بمشهد التنصيب الرئاسي في 20 يناير. ويمثل هذا اليوم أفضل وأسوأ اللحظات في تاريخ الديموقراطية الأمريكية. ففي عام 1860 انقسمت الجمهورية الأمريكية حول قضية أخلاقية حقيقية، وهي العبودية. أما في عامي 2020 و2021 كادت أمريكا أن تنقسم نتيجة تمسك رئيس فاسد متعطش للسلطة بالمنصب، رفض أن يغادر وأبى أن يخضع لإرادة الشعب. وهذه الأزمة الأخيرة قد شهدها العالم بأسره.
ولكن قوة المثال الإيجابي للانتقال السلمي للسلطة في 20 يناير تمثلت في أنها بالرغم من كل محاولات رئيس يمتلك القوة، ويحظى بدعم شريحة كبيرة من المواطنين، بل أيدته الأغلبية في واحد من الحزبين السياسيين الرئيسيين في البلاد، إلا أن المؤسسات الديموقراطية اجتمعت، واحتسبت أصوات الشعب، ودافعت المحاكم عن النتائج بنزاهة. ومن دون ضوضاء غادر البيت الأبيض من كان يخطط ليكون طاغية لحقبة ما بعد الديموقراطية الأمريكية.
تجادل كثيرون، هل معركة الديموقراطية الأمريكية وصعود حكم الفرد الواحد ستُكسب أمريكا مصداقية أم تضعف موقفها في تشجيع الديموقراطية عالميا؟ وقد انقسمت الإجابات حول هذا السؤال. صحيح أن سجل أمريكا الديموقراطي قد شُوه إلى حد كبير، ولم تعد قادرة على سلك الطرق السهل، ولكن ربما يكون هذا جيدا. لأنه سيُكسب المساعي لتشجيع الديموقراطية الكثير من التواضع، ويُقلل من نبرة الوعظ في الخطاب الأمريكي. ومع ذلك، فإن مواجهة أميركا الأخيرة مع الطغيان، وما يجلبه ذلك من مخاطر حقيقية، ستضيف إليها مزيد من الأصالة والمصداقية عند مخاطبة الحكومات ومنظمات المجتمع المدني عن مخاطر الديكتاتورية وأهمية الديموقراطية للشعوب.
لربما كانت الديموقراطية شعارا مبتذلا في السياسة الخارجية الأمريكية. ولكن الديموقراطية قد تستعيد الآن معناها وأهميتها. وأجرؤ على القول إن غالبية الشعوب في جميع أنحاء العالم يؤيدون التحرك نحو مجتمعات أكثر ديموقراطية، حتى لو لم يؤيد ذلك غالبية الحكام.
وعلى صعيد أكثر واقعية، وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تركت إدارة ترامب إرثا خاصا لإدارة بايدن. ويشمل ذلك حملة "الضغط الأقصى" على إيران، والهجمات المؤثرة على بعض مسؤوليها النافذين عسكريا ونوويا، بالإضافة إلى طفرات في التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. وفي الأسابيع القليلة ما بين الانتخابات والتنصيب، تخلت دول مجلس التعاون الخليجي - على الأقل في الوقت الراهن - عن خلافاتها الداخلية.
لكن بايدن سيتعين عليه ان يتعامل مع إيران التي أصبحت أكثر تشددا، ولا تثق في المفاوضات مع الولايات المتحدة، وأكثر تطورا في تقنية الصواريخ، وتكثيف دورات التخصيب النووي. كما أن المفاوضات مع إيران والضغط عليها سيتأثر بحقيقة أن إدارة بايدن - مثل إدارة ترامب - قد تغادر بعد أربع سنوات.
من جهة أخرى عززت اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل أسوأ غرائز اليمين الإسرائيلي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد حصلوا على التطبيع رغم المستوطنات وضم الضفة والاستيلاء على الأراضي. إن إسرائيل دولة فصل عنصري كما أعلنتها منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية المعروفة "بتسيلم". لقد زاد ترامب من خطورة الوضع المتفجر الذي يجمع الإسرائيليين والفلسطينيين. سيواجه بايدن وفريقه صعوبة في دفع الطرفين للوصول إلى مستقبل يجمع الفلسطينيين والإسرائيليين بعيدا عن الفصل العنصري، والاحتلال والصراع بلا نهاية.
لكن بايدن يجلب معه قوة تتمثل في الخبرات التي عيَّنَها في إدارته، فكبار مسؤولي السياسة الخارجية والأمن القومي في فريقه يتمتعون بخبرة واسعة. ستشمل قائمة مهامهم في الشرق الأوسط إحياء الاتفاق النووي مع إيران وتعزيزه وإشراك طهران في مفاوضات جادة حول برنامجها الصاروخي، وتدخلاتها الإقليمية. كما ستعمل إدارة بايدن على إحياء مسار السلام الإسرائيلي الفلسطيني، ومواصلة القتال ضد تنظيمي داعش والقاعدة، وإيجاد سبل لإنهاء الحروب الأهلية - على الأقل - في اليمن وليبيا. وستساعد واشنطن الشرق الأوسط بشكل أكبر على التعامل مع جائحة كورونا وما خلفته من آثار هائلة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
من المؤكد والمفهوم أن يتصدر الشأن الداخلي الأمريكي قائمة أولويات بايدن. أما خارجيا، فستتصدر قائمة الأولويات إعادة بناء الجهود العالمية مثل اتفاق باريس للمناخ، ومكافحة الجائحة وآثارها، وترميم الشراكات مع الحلفاء في أوروبا وآسيا، والتركيز على التحديات العالمية القادمة من الصين. ومع ذلك، سيحتل الشرق الأوسط على الأقل حيزا في نطاق السياسة الخارجية الخاص بهذه الإدارة. سيكون لدى بايدن فريق مُقتدر للغاية. دعونا نأمل أن تتمكن إدارته من إحراز تقدم في تخفيف حدة الصراع الإقليمي، ومساعدة المجتمعات على الخروج من تحت وطأة الجائحة، وما خلفته من تدهور اجتماعي واقتصادي، بالتزامن مع تسليط الضوء على أهمية الحكم الرشيد، وحقوق الإنسان، والمساءلة، وسيادة القانون في المجتمعات التي تتطلع أن يكون لديها المزيد من مؤسسات الحكم الديموقراطي - مثل تلك التي أنقذت أمريكا من الطغيان في يناير 2021، وليس كمثل المؤسسات السياسية في روسيا والصين، والتي تبدو شبيهة للغاية بمثيلاتها في الشرق الأوسط.