سوريا تواجه أزمة تلوح في الأفق بشأن وصول المُساعدات الإنسانية
يناير 25, 2023تشارلز ليستر
تشارلز ليستر
خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، التابع للأُمم المُتحدة، والتي انعقدت في 20 يناير 2021، وصف المبعوث الأممي لسوريا، غيير بيدرسِن، ما يحدث في سوريا من انهيار اقتصادي، ومُعاناة إنسانية، وركود للعملية السياسية، على أنه "تسونامي بطيء يجتاح الآن جميع أنحاء سوريا"؛ ما جذب اهتماما أصبح نادرا بشأن الوضع في سوريا.
التعليقات كانت دقيقة وصادمة، لكنها ليست بجديدة، ويمكن القول: إن ما تم التغاضي عنه كانت له عواقب أكبر بكثير، ألا وهو التأكيد الواضح من جانب المندوب الروسي لدى مجلس الأمن، فاسيلي نيبينزيا، على أنه ينوي بالفعل استخدام حق النقض الفيتو - في جلسة التصويت المُقرر عقدها في يوليو 2021 - ضد أي تمديد لآلية إيصال المُساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غرب سوريا، والتي تقتصر حاليا على معبر باب الهوى، والأسوأ من ذلك، أن مُنسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، أعلن في الجلسة نفسها عن فشل الجهود الرامية إلى التفاوض على آلية إيصال المُساعدات - عبر مناطق المعارك - من دمشق إلى شمال غرب سوريا.
وإذا لم يتغير شيء، فإن توقف وصول المُساعدات عبر الحدود التركية، وغياب آليات إيصالها عبر مناطق المعارك من دمشق إلى الشمال السوري؛ سيضر أكثر من 4.5 مليون مدني ممن لن تصلهم المُساعدات، وهي كارثة إنسانية ذات أبعاد غير مسبوقة. في حين دأب النظام السوري على تسخير المُساعدات، واستخدامها كسلاح لصالحه على مدى العقد الماضي من الصراع، إلا أن استخدام روسيا لحق النقض أمام مجلس الأمن قد أوصل تلك المُشكلة إلى مستوى دبلوماسي أعلى وأكثر سلطوية. ومع رحيل ثلث الشعب السوري، وخروجهم من تحت قبضة النظام، واستمرار وجود فيروس كورونا كعدو غير مرئي، فإن هذه الاستراتيجية الروسية تهدف إلى خلق نوع جديد من الترهيب يجبر المُجتمعات على الخضوع للنظام الحاكم.
المُضي قدما في التحكم في المُساعدات يعد بمثابة ترديا أخلاقيا للصراع العسكري الوحشي الذي قتل بالفعل أكثر من نصف مليون شخص، خاصة في بلد فيه أكثر من 6.7 مليون نازح، ويعيش 85% من مُجمل سكانه تحت خط الفقر، ويعاني 9.3 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي.
ومع تبقي 6 أشهر فقط على تصويت مجلس الأمن، فإن مُشكلة إيصال المُساعدات لسوريا هي إحدى قضايا السياسة الخارجية التي تستحق اهتماما عاجلا من إدارة بايدن الجديدة، كما أنها تتطلب جهدا دبلوماسيا كبيرا ومُكثفا، سواء من واشنطن، أو بالتنسيق مع الحلفاء. ورغم أن التعمق في السياسة السورية يثير التشكك والريبة، فإن المُساعدات الإنسانية ينبغي أن تكون فرصة للوصول إلى نتائج استراتيجية وأخلاقية على حد سواء.
تقدم الولايات المُتحدة وأوروبا بالفعل ما يقرب من 90% من مُساعدات الأمم المُتحدة إلى سوريا، ومع ذلك فإن روسيا، التي تقدم 1% فقط من المُساعدات، تتحكم في الأمر. وفي الوقت نفسه، تسرب الفساد الشديد إلى قنوات إيصال المُساعدات الإنسانية التابعة للأمم المُتحدة، والتي يجري تنسيقها في دمشق، فقد ارتبطت بشكل جوهري بشبكات الموزعين التابعين للنظام، وشركات الأمن، والجمعيات الأهلية المُرتبطة بدمشق.
وبالتالي، بينما نقدم نحن الغالبية العظمى من المُساعدات الإنسانية، يتم التلاعب بما نقدمه لتحقيق المصالح الداخلية للنظام. وللمُحافظة على التواصل مع دمشق تكرر مُنظمة الصحة العالمية بيانات، وتصريحات النظام كالببغاء بشأن استجابة دمشق لجائحة كورونا؛ مما ساهم بشكل فعال في التستر على انتشار المرض المُميت. قبل أسبوعين أعلنت مُنظمة الصحة العالمية عن استخدامها شركة أجنحة الشام للطيران؛ لنقل المُساعدات إلى ليبيا، رغم العقوبات المفروضة عليها؛ لدورها في نقل أفراد الميليشيات الموالية للنظام من إيران إلى سوريا، كما استُخدمت طائرات الشركة، نفسها، لنقل عناصر الميليشيات التي تدعمها موسكو من سوريا إلى ليبيا.
في نهاية المطاف، لا بد من بذل جهود دؤوبة؛ لوقف، أو تحييد، تدخل النظام في آليات المعونة التي تنطلق من دمشق. وهذه المسألة لا تتعلق بمقدار المُساعدات التي تُقدم لسوريا، إنما تتعلق بمن يستلم تلك المُساعدات. قد تكون الأمم المُتحدة، والهيئات التابعة لها جزءا من المُشكلة الحالية، لكن ينبغي لهم أن يكونوا جزءا من الحل أيضا. وهكذا، ينبغي ألا يركز ضغط الولايات المُتحدة وحلفائها على دمشق وموسكو فحسب، بل على الأمم المُتحدة نفسها؛ لضمان عدم مُشاركة النظام في فرض قيوده وممارسة ابتزازه، وهو ما أصبح أمرا عاديا كما يبدو، وينبغي أن تُقطع قنوات التمويل الخاصة بالهيئات التي لا تفي بالمعايير المُحددة مُسبقا، إلى أن تُوضع بروتوكولات أفضل من الحالية.
وبالتوازي مع الجهود الرامية إلى تحقيق شيء قريب من الوصول غير المشروط إلى دمشق، يجب على الولايات المُتحدة وحلفائها استكشاف السُبل العملية لاستمرار إيصال المُساعدات عبر حدود تركيا، و/أو شمال العراق، إذا ما تمسكت روسيا بما أعلنه مندوبها في مجلس الأمن عن استخدام الفيتو ضد تمديد إيصال مُساعدات الأمم المُتحدة عبر باب الهوى في جلسة يوليو المُقبل. منذ بداية الأزمة، وحتى عام 2014، قدم المُجتمع الدولي والولايات المُتحدة مُساعدات كبيرة إلى نفس فئات المناطق المُستهدفة حاليا، من دون قرار من مجلس الأمن الدولي، وقد نحتاج إلى القيام بذلك مُجددا. ولا يوجد حاليا أي مُؤشر في المدى المنظور يؤكد أن النظام يستطيع فرض سيطرته على شمال وشرق سوريا؛ حيث يعيش ما يقرب من 5 ملايين مدني خارج سيطرة دمشق، وبالتالي يكون الخيار الوحيد المُتبقي مُمثلا في توصيل المُساعدة عبر الحدود من دون تنسيق مع النظام السوري.